شركة عائلية أقترب عمرها من السبعين عاماً من العمل والإنجاز والإبداع، أسسها رجل أعمال عصامي، ثم تحولت إلى شركة عائلية واستمر الإخوة في العمل فيها بكل انسجام، حتى بدأ الأبناء في التهافت على الشركة للعمل فيها ومواصلة الإبداع الذي شرع فيه الآباء؛ فكان من المفترض والمأمول أن يساهم هذا الالتحاق من قبل هذا الجيل الفذ المفعم بالحيوية والفكر الجديد في التطوير والتحسين، ولكن المفاجأة كانت أن دخول الأبناء - الذين يمثلون الجيل الثاني - كان سبباً في إثارة المشاكل والتوتر بين الشركاء بعد أن تعكر الصفو الذي كان يميز هذه المنشأة التجارية الضخمة، وكنتيجةٍ لهذه الصراعات انهارت الشركة التي كان يشار لها بالبنان واختفت من خارطة الشركات التجارية البارزة في المملكة.
مثال موجز يوضح دورة الحياة القصيرة – للأسف - لبعض الشركات العائلية الموجودة في المملكة، جديرٌ بالذكر هنا؛ أن أسباب اختفاء هذه الشركات قد لا تكون بسبب نزاعات الشركاء أو اختلاف وجهات نظرهم حول إدارة الشركة، فقد يكون السبب اقتصادياً فنياً يتعلق بسوء التعامل مع السوق أو مالياً كحاجة الشركة للسيولة وتعذر الحصول عليها، وقد يكون غير ذلك، ولكن في هذه العجالة نحن نسلط الضوء على الشركات التي كان سبب انهيارها هو اختلافات وصراعات الشركاء.
نعم، اختفت تلك الشركة، و كان من أهم أسباب ذلك التوتر الذي أدى إلى اختفائها هو الأخطاء الإدارية، والهفوات المالية، والتجاوزات القانونية، وعدم وجود الشفافية وقلة الإفصاح، بالإضافة إلىالعناد الذي دبّ بين الشركاء بمساعدة ودعم بعض المنتفعين الذين وضعوا الزيت على النار، لذا وانطلاقاً من هذه الواقعة التي تكررت كثيراً - والواقع يؤكد أنها في استمرار - ننصح الشركات العائلية وبيوتات الأعمال بالسعي إلى كل ما يقي هذه الشركات من الوقوع في مثل هذه التجارب القاسية والنتائج المؤلمة و الخسائر الفادحة والمتعددة التي تلقي بظلالها ليس على الأسر والأفراد فحسب، بل على الاقتصاد المحلي بشكل عام، الذي لا شك أنه خسر الكثير من الكيانات الاقتصادية الضخمة التي كان لها إسهاماتها الملموسة على الاقتصاد السعودي، فكم كانت الخسائر قاسية ، وكم من الأفراد فقدوا أعمالهم وتضررت أسرهم، وكم من الأعمال التجارية توقفت و كم من البضائع تلفتوكم من المواقع المستأجرة أخليت ... و كم و كم...
كل ذلك يقودنا إلى التساؤل الأهم: لماذا وصلت هذه المنشآت إلى هذا الحال وما هي سبل الوقاية؟
إن عدم وجود مبدأ الإفصاح والشفافية من قبل المدراء والمشرفين من أفراد العائلة، بالإضافة إلى عدم وجود نظام محاسبي وإداري متقن أو وجوده مع عدم تطبيقه، بالإضافة إلى بعض التجاوزات القانونية كل ذلك يقود الشركة إلى حافة الهاوية، لذا فأهم سبل الوقاية هي الحوكمة ،فالحوكمة هي الملاذ الآمن الذي يجب أن تسعى له الشركات العائلية، بل كل المنشآت التجارية للحفاظ على الكيان القانوني من الدخول في مغبة النزاعات والتوتر، وبالتالي الاختفاء و الاندثار، و الحوكمة تعني وضع القواعد التي يتم من خلالها قيادة الشركة وتوجيهها، وتشتمل على آلية لتنظيم العلاقات المختلفة بين مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية و الشركاء و المساهمين وأصحاب المصالح ، كذلك وضع إجراءات خاصة لتسهيل عملية اتخاذ القرار وإضفاء طابع الشفافية والإفصاح و المصداقية عليها، بغرض حماية الحقوق وتحقيق العدالة.
ففصل الإدارة عن الملكية بتحويل الشركة إلى شركة مساهمة مقفلة -او مساهمة عامة و هو افضل إذا كانت الشركة مهيئة لذلك- أو تطبيق نظام إدارة الشركات المساهمة على الشركة الأخرى ، والذي يتضمن تكوين مجلس إدارة من غير الشركاء، أو مجلس إدارةٍ مختلطاً يجمع الشركاء بالغير في إدارة الشركة ليكون التأثير السلبي للشركاءمعدوماً، وبذلك تكون الشركة بعيدة عن النزاعات والصراعات المؤدية إلى الانهيار، فتطبيق الحوكمة يعزز ثقة الشركاء بالإدارة وقدرتها على تحقيق أهداف الشركة و الحفاظ على حقوقها ، وبذلك تتمكن -بعون الله - من العبور إلى الأجيال المتعاقبة وهي محافِظة على مكانتها وقوتها الاقتصادية وتطلعاتها للتطور والازدهار.