على مدى السنوات القليلة الماضية، تطور مفهوم تمويل التقاضي ("طرف الثالث المموِّل") ليصبح أسلوبًا شائعًا لتلك الشركات التي تدعم المطالبات التي من الممكن أن يتم تركها دون أن تتحقق مطلبها؛ وذلك للتكاليف التي لن يستطيع تحملها أصحاب المطالبات، فالاستعانة بممول من طرف ثالث يعد خيارً أمثل لهؤلاء لكي يحصلوا على عملية نزاع رسمية كاللجوء للقضاء العام أو التحكيم.
ما هو دعم التقاضي أو التمويل من طرف ثالث؟
تمويل التقاضي، والذي يعرف أيضًا بالتمويل القانوني: هو اتفاق من جانب كيان ما ("الطرف الثالث المموِّل") ليس طرفًا في المنازعة، على أن يوفِّر الأموال أو غيرها من أشكال الدًعم المادي إلى طرف متنازع (عادة ما يكون الطرف المدَّعي أو مكتب محاماة يمثِّله) مقابل نسبة متفق عليها في حال نجاح القضية.
وفي تعريف أيضًا لمدونة السلوك الطوعية لمموَّلي التقاضي في إنكلترا والتي تنص على أنه: "عندما يوفر طرف ثالث الموارد المالية اللازمة للتمكين من المضي قدمًا في إجراءات تقاضِ أو دعاوى تحكيمية باهظة التكاليف، ويحصل المتقاضي على التمويل اللازم لتغطية كل التكاليف القانونية التي يتكبدها أو بعضها من ممِّول تقاضِ تجاري من الخاص ليس له مصلحة مباشرة في الإجراءات القانونية المعينة".
يتميز خيار التمويل من طرف ثالث هو جعل الطرف "المدعي"، يتنحى جانبًا عن المخاطر المالية المتمثلة في السعي للحصول على مطالباته، ويكون مقابل ذلك أن تقسّم جميع العائدات من القضية في حال كانت لمصلحته "المدعي"، فالتمويل في العادة يغطي كل تكلفة إجراءات الدعوى أو جزءً منها، مثل الرسوم القانوني (كأتعاب أمناء السر أو الخبراء أو المحكَّمين)، وأيضًا التكاليف المرتبطة بإجراءات العمل بشأن تنفيذ الحكم أو استئنافه.
نستنج من التعريفات السابقة أن "تمويل التقاضي" هو اتفاق بين طرفين على دعم مالي تقدمه الشركة المُمولة بهدف الاستثمار، ماهي قيمة الاستثمار المتوقعة؟ أو ماذا يستفيد الممول بشكل عام؟
الفائدة العائدة للشركات الممولة
تستفيد شركات التمويل في العادة نسبة تعويض تحصل عليها في حالة نجاح القضية 25%-45% من المبلغ الممنوح في القضية، فعادةً ما يسعى إليه المموّلون إلى تحقيق عائدات استثمارية تبلغ ثلاثة أضعاف المبلغ المستثمر من قبل ممولي الطرف الثالث، كما هو الحال في الأسهم الخاصة أو تمويل المشاريع، ولكن وإذا فشلت القضية أو كان الحكم ضد الطرف الممول، يفقد ذلك الطرف استثماراته ولا يحق له مطالبة أي من الأطراف نتيجة تلك الخسارة، وهنا يأتي دور المحامين والمستشارين التابعين للشركة المُمولة في عمل الأبحاث للتأكد من صحة الاستثمار في القضايا المحتملة.
متى يكون تمويل الطرف الثالث مناسبًا؟
يبحث أغلب المستثمرين في تمويل التقاضي عن القضايا التي تنطوي على تعويضات ضخمة، فاهتمامهم الأكبر يقوم على المطالبات التي تقوم على اضرار لكي يكون هناك تعويضًا سخي تستفيد منه الشركة المُمولة.
فتتجه شركات التمويل إلى القضايا ذات الاحتمالات الجيدة، ويقومون بإجراءات وتحاليل وتشكيل إستراتيجيات للتأكد من لتلك المطالبة من حيث التكاليف التي ستدفع مقارنة بالعوائد التي ستحصل عليها الشركة في نهاية الأمر.
ومن جهة أخرى يلجئ الطرف المتنازع إلى شركة مُمولة عندما لا يجد الوسائل اللازمة لمتابعة الدعوى، كتكاليف القضائية أو جلسات التحكيم، ويكون خيارهم الوحيد هو الاستعانة بممول من طرف ثالث، وبالمقابل أيضًا يريدون إدارة تلك المخاطر التي لا يعلموا بشأنها، فيكون الطرف المتنازع مستعد للتخلي عن نسبة من المطالبة لقاء درْء تلك المخاطر والضغوطات من التكاليف للمُمول الذي سيتحمل جميع ذلك.
الإطار القانوني للتمويل في التشريعات الوطنية
بدأ استخدام التمويل من طرف ثالث في سياق إجراءات التقاضي والتحكيم المحلية قبل أن يبدأ استخدامه في إجراءات التحكيم التجاري الدولي والاستثماري، وفي حين أن بعض الولايات القانونية المعروفة حتى هذا التاريخ قد وضعت إطارً تمويل المنازعات القانونية، ولا تزال هذه الممارسات في مرحلة الظهور والتطور في بعض الولايات القانونية الأخرى، ومع ذلك لايزال التمويل من طرف ثالث في إجراءات التقاضي والتحكيم الدولية متروكًا من دون تنظيم رقابي في العديد من الولايات القضائية، وهناك نقاش مستمر بشأن ما إذا كان ينبغي السماح بالتمويل من طرف ثالث أو تنظيمه رقابِّيا، وإلى أي مدى يكون ذلك.
الاستنتاج
ختامًا نشيد بالاستعانة بممول من طرف ثالث للأطراف الذين لا سيولة مالية تمكنهم بمطالبة الطرف الآخر، فذلك يعد حل استثماري يخدم مصلحة الطرف المتنازع والشركة المُمولة.
ويوجد هنالك العديد من الإشادات حول الاستعانة بشركات التمويل أحدها ما قاموا به المحامين في الولايات المتحدة حول نمو التمويل التقاضي، ووجد الاستطلاع أن 88% من المحامين أفادوا إلى إيجابية الرأي حول الاستعانة بخيار التمويل من طرف ثالث، الذي قد كان هو الخيار الوحيد للعديد من المتنازعين.