المدونة أخر الأخبار من المبادرة، ومشاركاتها.

مرورًا على جائحة فيروس كورونا (COVID-19)

0 التعليقات
2611
5 أبريل 2020

عانت معظم الدول في الوقت الحالي من وباء صنفته منظمة الصحة العالمية بأنه وباء عالمي، وباء جديد لم يظهر مسبقاً، ولم يكتشف له علاج، سمي بفيروس كورونا (COVID-19).

فيروسات كورونا هي فصيلة كبيرة من الفيروسات التي تهاجم الحيوان والإنسان، ومن المعروف أن عدداً من فيروسات كورونا تسبب لدى البشر حالات عدوى الجهاز التنفسي التي تتراوح حدتها من نزلات البرد الشائعة إلى الأمراض الأشد ضرراً مثل متلازمة الشرق الأوسط التنفسية والمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (السارس).

أما الوباء الحالي فهو بسبب فيروس كورونا المُكتشف مؤخراً (كوفيد-19)، والذي يعد أشد ضرراً من وباء كورونا السابق.

وبالمرور على دول العالم وجهودها لمحاربة الوباء ارتبطت هذه الجائحة ارتباطاً وثيقا بجوانب عدة قد تغير دفة العالم وطريقة عيش الإنسان.

  •   كورونا من النظرة القانونية

لم تمر المملكة العربية السعودية ولله الحمد بأزمة مثل هذه سابقاً، ولم تتعطل مصالح الناس من قبل مثل هذه الأيام، ولم نحتج من قبل لنصوص تشريعية تنظم مثل هذه الأزمات، فلذلك ولزيادة الحصيلة القانونية ولمعرفة آثار هذه الأزمة تمت الاستعانة بالمحامي تميم الحسينان (محامي ومستشار قانوني - ممارس للمحاماة في المملكة العربية السعودية، وصاحب مكتب تميم الحسينان للمحاماة والاستشارات القانونية)

PHOTO-2020-03-27-22-42-22

وكان السؤال ابتداءً حول الأبعاد القانونية للإجراءات الاحترازية المتخذة لمحاربة فيروس كورونا بشكل عام ؟

وفي هذا أفاد الحسينان بأن الجائحة كانت حدثاً مفاجئاً لجميع دول العالم مما تسبب بأضرار ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية وسياسية على دول العالم المصابة بهذا الوباء وانتشاره على نطاق واسع، ومن ناحية الأبعاد القانونية في الإجراءات الاحترازية فكل الدول عملت حسب دساتيرها وأعرافها وأنظمتها في سبيل حماية شعوبها من انتشار المرض وحفظ السلامة والصحة العامة.

لكن بالحديث فعلاً على جهود المملكة المتظافرة ومن خلال دورها البارز في حماية حقوق الإنسان كيف قامت المملكة بتعزيزه في ظل أزمة انتشار فيروس كورونا؟

أجاب الحسينان بكون المملكة وقياداتها لها دور بارز وواضح في جانب حفظ النفوس واستقرار الصحة العامة وهذا ما تمت مشاهدته على أرض الواقع من خلال الإجراءات الاحترازية وإصدار القرارات التي نشاهدها للمرة الأولى في تاريخ هذا البلد من فرض حظر للتجول وغيره من القرارات المتجددة التي من شأنها منع انتشار هذا المرض وحفظ صحة وسلامة المواطن السعودي والمقيم.

وانتقالاً إلى الوضع الحالي ومآلاته فما هو مصير الالتزاماتالقانونية القائمة حاليًا أو القريبة على المدى القصير من عقود واتفاقيات ومصادر متعددةللالتزام في ظل الإجراءات الحالية وظروف المرحلة؟ وهل هناك حالات ينطبق عليها مبدأ القوة القاهرة؟ 

نظرية القوة القاهرة " وفقًا للمعايير المتفق عليها دوليًا من هيئات التجارة العالمية ومراكز التحكيم التجاري الدولي" تُعرَّف بأنها: "كل أمر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه، يجعل من تنفيذ الالتزام مستحيلاً". أما شروطها التشريعية الرئيسية التي يتم إصباغ القوة القاهرة عليها فهي، أولاً: عدم التوقع، أي أن يكون الحدث غير متوقع. وثانياً: استحالة تنفيذ الالتزام، أي لا يمكن رده. وثالثاً: عدم صدور خطأ من الملتزم، أي لا دخل لإرادة المدين المتمسك بالقوة القاهرة.

فبإمكاننا تكييف حادثة انتشار المرض حاليًا أنها قوة قاهرة لم تمر بها البلاد من قبل ولم يفصّل ويفسّر المشرّع لدينا القوة القاهرة بشكل أكثر دقة لتُسقَط على وضعنا الحالي، فبشأن عقود العمل تتطلب تعاوناً من رب العمل والعامل في الوصول الى اتفاق بينهم في ظل هذه الجائحة، وبشأن قاعات الأفراح والالتزامات التي لم تنفذ نظراً للقوة القاهرة فهناك خلاف بين المختصّين ووجهات النظر فيمن قال أنها تفسخ بالكامل لعدم الانتفاع من محل الاتفاق، والبعض توجّه إلى أنها تُفسخ بشكل كامل نظراً للقوة القاهرة.

بعيدًا عن سن القوانين فإن العديد من المختصين يتناولون العقوبات التي قد تنتج في حال مخالفة الإجراءات والتعليمات الاحترازية من انتشار فايروس كورونا، كيف ترى هذه الإجراءات وما يترتب على مخالفتها من ناحية قانونية؟

وضعت الجهات الإعلامية المختصة وبشكل واضح وصريح عبر منصاتها الرسمية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي عقوبات تفصيلية بشأن من يخالف القرارات والتعليمات الاحترازية مثل الغرامات المالية والسجن في حال التكرار وكلها وجدت لمصلحة المواطن والمقيم، ومن الواجب على الجميع الالتزام بها.

ومن جانب آخر فإن للصحة النصيب الأكبر من الاهتمام في مثل هذه الجائحة فكيف تتم حماية الصحة العامة والتي هي عنصر أساسي في المحافظة على النظام العام في ظل جائحة كورونا؟ 

دائماً يتم حمايتها بحفظ النفس والالتزام بما تضمنه الأمر الملكي عن الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود في قراره بحضر منع التجول بتاريخ ٢٧رجب ١٤٤١هـ الموافق ٢٢ مارس ٢٠٢٠ والذي جاء فيه نصاً " ... إذ أن المحافظة على الصحة العامة باتت من أهم الواجبات على أبناء هذا الوطن أو من يقيم على أرضه، وعلى الجميع أن يؤدي واجبهم في البقاء في منازلهم وعدم تعريض أنفسهم وبلادهم لخطر تفشي هذه الجائحة " فتم تصنيف الحفاظ على الصحة العامة من أهم الواجبات على المواطنين والمقيمين كافة.

وأخيراً فإنه كان هناك دائماً مرجعيات لنا في التاريخ لتصنيف الأزمات ولكن هل كان للقوة القاهرة والظروف الطارئة أساس تشريعي واضح أو سوابق قضائية في المملكة قبل هذه الأزمة؟

في الحقيقة لم تمر المملكة بشكل واضح في جانب القوة القاهرة من ذي قبل بنفس انتشار حزمة القرارات الاحترازية مثل إغلاق الحرمين الشريفين و إيقاف التنقل عبر الحدود وعزل المناطق الثلاثة عشر عن بعضها و إيقاف استقبال جميع الرحلات الجوية داخلياً وخارجياً ،و إيقاف السلك التعليمي بالكامل مؤقتاً ،فأعتقد أنه سيتم الالتفات لكثير من الأنظمة مستقبلاَ و إعادة صياغتها بما يتناسب مع مسميات وظروف الظروف القاهرة كالتي نمر بها وتفصيل تبعاتها القانونية، لكن نعم هنالك بعض السوابق القضائية تم الحكم بها بهذا الشأن لكنها ليست بنفس تكييف القوة القاهرة الحالية.

كما أن جميع القوانين مجتمعة ماهي إلا لحماية وتدبير وقائي للحفاظ على الإنسان، وكلنا أمل بأن تعود علينا بالصحة والرفاه.

كما لا يخفى على أي متابع، فإن جائحة تفشي فايروس كورونا (كوفيد-19) لها تبعات اقتصادية سلبية بدأ العالم يشعر باشتداد وطأتها منذ بداية العام. ومع انتقال المرض سريعاً عبر قارات العالم، صار السؤال يتكرر عن عمق هذه الأزمة الاقتصادية، ومداها الزمني المحتمل، ولازالت فصول انتشار هذا الوباء وما يُحدثه من هزات اقتصادية عالمية تتوالى على مدار اليوم والساعة. ولكن بدلاً من الخوض في توقعات وأرقام نمو قد يعتريها الخطأ، يحسُن بنا أولاً محاولة فهم طبيعة هذه الأزمة الاقتصادية والإحاطة بقنوات تأثيرها على القطاعات المختلفة وتفاوت هذا التأثير بين الدول بحسب خصائص اقتصاداتها.

  •   كورونا من نظرة اقتصادية

بالاستعانة بخبراء اقتصاديين بدأت إضاءات باستعراض الأثر الاقتصادي لجائحة كورونا من المنظور العالمي.

فإن الأزمة الاقتصادية التي يعيشها العالم الآن نتيجة جائحة فايروس (كوفيد-19) لها طبيعة خاصة تميزها عن فترات الركود الاقتصادي الطبيعي الذي تعود عليه العالم في السابق:

أولاً: من ناحية طبيعة الصدمة الاقتصادية، فقد جمعت جانبين في نفس الوقت: صدمة من جانب العرض، بسبب تباطؤ حركة الصناعة وتعطل الكثير من سلاسل الإنتاج ونقل البضائع، وصدمة من جانب الطلب بسبب إجراءات الحماية الصحية التي حدت من الحركة الناس، وما صحبها من إيقاف المدارس والسفر والكثير من الأنشطة الاقتصادية.

ثانياً: فإن بداية الأزمة من الصين، وهي الدولة التي يشكل اقتصادها حوالي 10% من الاقتصاد العالمي ويسيمها البعض مصنع العالم، أدى إلى القلق المبكر من احتمال ومن تأثر سلاسل الإمداد العالمية نظراً للدور المحوري الذي تلعبه الصين في عدد كبير من الصناعات.

الأمر الثالث هو أن الاقتصاد العالمي عموماً، وفي الدول الصناعية بالتحديد، لم يكن في أحسن حالاته قبل هذه الأزمة، بل كان يعاني أساساً من تباطؤ حركة الصناعة وتوتر في التجارة العالمية. كما أن الديون السيادية المرتفعة وأسعار الفائدة المنخفضة قبل بداية الأزمة كان يعني بأن مساحة السياسات التحفيزية في تلك الدول كانت محدودة منذ البداية.

ومع تكالب هذه العوامل، بالإضافة إلى سرعة انتقال بؤرة المرض من الصين وآسيا إلى أوروبا وأمريكا، واتخاذ معظم الدول إجراءات متفاوتة للسيطرة على العدوى من إلغاء معظم الأنشطة اليومية والسفر والحد من التنقل إلا في أضيق الحدود، وإلغاء الكثير من الفعاليات بمختلف أشكالها، تحول القلق إلى خوف حقيقي من دخول الاقتصاد العالمي في حالة كساد عام، تضاهي أزمة عام 2008، بل وتتفوق عليها في بعض الجوانب.

  • قنوات التأثير على الاقتصاد:

انتشار الفيروس يؤثر على الاقتصاد عبر قنوات متنوعة نوجزها فيما يلي:

- العزل المنزلي لملايين الناس حول العالم وتقنين حركتهم. مكوث الناس في البيوت يعني تراجع في إنفاقهم على قطاعات مهمة مثل المواصلات بكافة أشكالها والمطاعم والفنادق والملابس والأثاث والأجهزة المنزلية وأنشطة الترفيه والسفر والتعليم. تراجع الطلب على المواصلات يعني تراجع الطلب على الوقود بأشكاله، ومنها النفط مما يؤثر على الدول المصدرة له كدول الخليج. كما أن دولاً مثل إيطاليا وإسبانيا يمثل قطاع السياحة فيها نسباً تصل إلى 20% من حجم الاقتصاد، وبالتالي فتأثرها من العزل المنزلي أكبر من غيرها. وأخيراً فإن الدول التي ترتفع فيها مساهمة استهلاك الأفراد من حجم الاقتصاد (حوالي 65% في أمريكا، و70% في مصر، وبين الـ 50 والـ 60% في معظم دول أوروبا) ستتأثر بشكل أكبر. بينما في المملكة فإن النسبة تظل في حدود 30 إلى 40%.

انكماش حركة الصناعة وتعطل سلاسل الإنتاج: توقفت الكثير من الصناعات في الدول التي تفشى فيها المرض، وصحب ذلك من اضطراب في سلاسل الإنتاج العالمية نظراً لتشابك النظام الاقتصادي الحديث واعتماد الصناعات الحديثة على سلسلة معقدة من السلع الوسيطة المتخصصة. الدول المصدرة للمعدات الصناعية سواء الثقيلة أو المنتجات التقنية (مثل ألمانيا وكوريا وغيرها) ستتأثر بسبب تراجع الطلب وتعطل سلاسل الإنتاج. صناعة السيارات تأتي في طليعة القطاعات المتضررة. كما أن تباطؤ اقتصادات كبرى بسبب المرض (الصين، أمريكا، بريطانيا، إيطاليا...) يعني أن استيرادها للعديد من السلع الصناعية أو السلع الوسيطة قد تراجع كثيراً. ونظراً لاعتماد الصناعة على السلع الأولية والمواد الخام (كالنفط والمعادن وغيرها)، فإن تباطؤ الصناعة قد تسبب في تراجع كبير في طلب هذه السلع، والتي تمثل مصدر دخل رئيس في العديد من الدول النامية مثل دول الخليج ودول أفريقية ودول لاتينية تعتمد على تصدير السلع الخام، وسيكون له أثر سلبي على دخل هذه الدول.

الأثر العام على أسواق الأسهم والأوراق المالية والديون السيادية عالميًا:انعكس خوف المستثمرين وقلق من تفاقم الأزمة على أداء أسواق الأسهم حول العالم، حيث توالت الخسائر القياسية في قيمة الشركات. كما أن الأعباء المتزايدة على ميزانيات الدول في سعيها للتصدي للمرض بدأ يزيد تكلفة تمويل قروضها، مما يحد من فرص تعافي اقتصادها واستئناف نموها مستقبلاً.

الانعكاسات على سوق العمل: تراجع الطلب على الكثير من السلع والخدمات وزيادة خسائر القطاع الخاص حول العالم بدأ يؤدي إلى موجات من تسريح العاملين بأعداد هائلة، كما حصل في أمريكا عندما تقدم أكثر من ستة ملايين شخص بطلب تعويضات البطالة في مدة أسبوعين فقط، وهو رقم قياسي لم تشهد أمريكا مثله من قبل. فقدان الناس وظائفهم أو تقلص مرتباتهم يعني ضعف قوتهم الشرائية مما يفاقم أزمة الطلب. كما أن استمرار إفلاس الشركات يفاقم أزمة العرض، وتعزز كل صدمة الأخرى.

كل هذه العوامل وقنوات التأثير ستؤدي حتماً إلى تراجع حاد في نشاط الاقتصاد العالمي. التوقعات تختلف من يوم لآخر بسبب تسارع أخبار انتشار المرض وازدياد صرامة الإجراءات الاحترازية، لكن قد ينكمش الاقتصاد العالمي هذا العام 2020، مع احتمال نمو سالب في أمريكا وأوروبا ودول أمريكا اللاتينية وعدد من الدول الناشئة كروسيا والبرازيل وبعض من دول الشرق الأوسط. بعد ذلك، وإن تم حصار المرض بإذن الله، فإن الاقتصاد العالمي قد يستأنف نموه الإيجابي العام القادم 2021.

مقدار انكماش الاقتصاد العالمي قد يفوق الانكماش الذي حصل أثناء الأزمة المالية عام 2008، وكذلك فإن نسب البطالة قد ترتفع بشكل كبير يصل إلى 20% في بعض الدول الكبرى مثل أمريكا ودول الاتحاد الأوروبي.

  • الأثر الاقتصادي على المملكة:

المملكة ليست في معزل عن العالم، وقد دخل المرض بلادنا ولكن، ولله الحمد، ليس بسرعة التفشي التي شهدتها دول أخرى.

أبرز قنوات التأثير المباشرة على الاقتصاد المحلي هي:

-          انخفاض أسعار السلع (النفط) بسبب تراجع حاد في الطلب العالمي على النفط ومشتقاته (وقود سيارات وطائرات وشاحنات ... إلخ) مما يؤثر على دخل الدولة.

-          تبعات الإجراءات الحاسمة التي اتخذتها الدولة للحد من انتشار العدوى (من لزوم المنزل والعمل عن بعد وتقليل ساعات التجول خلال اليوم)، وهذه لها نفس الأثر الذي ذكرناه سابقاً.

-          تراجع كبير في قدوم المعتمرين (بسبب الاحترازات الصحية) مما يؤثر على حركة تجارة السلع والخدمات، خصوصاً في مكة المكرمة والمدينة المنورة.

-          الأثر على نشاط القطاع الخاص عموماً، بسبب قلة التسوق على السلع الكمالية والخدمات وأنشطة المطاعم والفنادق والترفيه وغيرها.

-          الحاجة لمتطلبات مالية إضافية لمواجهة هذه الجائحة على الجانب الطبي مثل توفير معدات ومستلزمات كافية، وتكثيف جاهزية الكوادر الطبية والأمنية في المطارات.

-          المتطلبات المالية لتنفيذ إجراءات تخفيف الآثار السلبية على مستوى الاقتصاد الكلي والقطاع النقدي.

  • التدابير والسياسات للتخفيف من الأثر الاقتصادي السلبي

الهدف الأساسي من أي تدابير تتخذها الدول هو تخفيف الأثر السلبي للأزمة. بما أن معظم الأثر الاقتصادي السلبي هو بسبب الإجراءات الاحترازية للحد من الحركة، وليس بسبب ضعف ثقة المستهلك أو الشركات مثلاً فليس هناك وسيلة لتحفيز الطلب على السفر أو الفنادق مثلاً في ظل وجود الفايروس. لكن الدول تجد نفسها أما خيارين: إما أن تسارع في اتخاذ إجراءات حاسمة وصارمة في وقت مبكر للحد من انتشار المرض، مع تحمل شيء من الأضرار الاقتصادية في المدى القصير، أو أن تتهاون في إجراءات الحد من الحركة خوفاً من تعطل عجلة الاقتصاد وتدفع الثمن مضاعفاً بعد ذلك. ما تعلمناه من تجارب الدول في الفترة القصيرة الماضية أن الدول التي اتخذت إجراءات حاسمة منذ البداية (مثل سنغافورة وهونغ كونغ والسعودية) تبدو الآن في وضع أفضل بكثير من ناحية السيطرة على العدوى، وتتجه نحو تحسن في المجال الصحي والاقتصادي معاً. بينما الدول التي تأخرت (مثل أمريكا وإيطاليا وبريطانيا) بسبب النظرة القاصرة فإنها الآن تدفع الفاتورة مضاعفة على الجانب الصحي والاقتصادي معاً.

إذاً فالأولوية القصوى لدول العالم الآن هي محاولة السيطرة على وتيرة انتشار العدوى والحد من أعداد المصابين قدر الإمكان، وهي أولوية صحية واقتصادية في آن واحد. تأتي بعدها أولويات على المدى القصير مثل تخفيف وقع الأزمة على القطاع الخاص، ومنع تفاقم حالات الإفلاس التي تودي حتماً لتسريح موظفين بأعداد هائلة وتهدد بانهيار الاقتصاد، خصوصاً في البلدان التي يعتمد اقتصادها على القطاع الخاص بصورة كبيرة.

كما لجأت الدول لمزيج من حزم التحفيز النقدي والتحفيز المالي، يهدف إلى الحفاظ على درجة من السلامة الاقتصادية والبنكية تسمح للاقتصاد من استئناف نموه عند انتهاء الأزمة بإذن الله.

  • التدابير الاقتصادية التي اتخذتها المملكة

  المملكة العربية السعودية كانت سبّاقة في التدابير الصحية والاقتصادية على حد سواء. فبالإضافة للحزم في الإجراءات الاحترازية لاحتواء المرض، فقد أعلنت الحكومة عن حزم متنوعة تهدف إلى حماية القطاع الخاص، وبالأخص المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، مثل الإعفاء من بعض الرسوم وتأخير سداد دفعات البنوك، والتجاوز عن المقابل المالي للوافدين، وتحمل الدولة 60% من رواتب موظفي القطاع الخاص في القطاعات المتأثرة، وغير ذلك الكثير من الإجراءات التي يمكن أن يرجع إليها القارئ في الصحف 

  • جهود دولية للقيادة السعودية لمواجهة فيروس كورونا: -

1-استجابة للنداء العاجل الذي أطلقته منظمة الصحة العالمية لجميع الدول والرامي إلى تكثيف الجهود من أجل اتخاذ إجراءات عالمية لمحاربة انتشار فيروس كورونا، وجه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز بتقديم دعم مالي قدره 10ملايين دولار أميركي لمنظمة الصحة العالمية لمكافحة فيروس كورونا "كوقيد – 19

2-أعلنت السعودية عن توقيع ستة عقود مشتركة مع شركات عالمية لتأمين أجهزة ومستلزمات طبية لمكافحة فيروس كورونا الجديد في الصين، وذلك عبر مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية.

3وصلت إلى عدن إحدى طائرات النقل التابعة للقوات الجوية الملكية السعودية، تحمل على متنها إمدادات طبية تتعلق بالتأهب والاستجابة لفيروس (COVID-19) تتبع لمنظمة الصحة العالمية، ضمن جهود واستعدادات المنظمة لتفشي الفيروس.

  • كثير من الدراسات وكثير من المحللين ارتبط تأثير هذه الأزمة في أذهانهم بسؤال واحد وهو: ماذا بعد الأزمة؟

قد تؤدي هذه الأزمة إلى تغير دائم في عدد من أوجه الاقتصاد الحديث:

-          من المحتمل أن يصبح العمل عن بعد ضرورة، ويقنن في الكثير من القطاعات لتقليل التكاليف.

-          السعي نحو مزيد من الأتمتة: حيث أظهرت الأزمة أن المصانع المعتمدة على اليد العاملة معرضة للتوقف في ظل انتشار الأوبئة وطول مدتها.

-          تراجع في وتيرة العولمة ومحاولة توطين بعض مراحل الإنتاج في كثير من الدول، مع محاولة للتقارب في الجوانب الصحية وأبحاث الأوبئة وغيرها.

-          هذه التغيرات قد تؤدي إلى زيادة في تكاليف الإنتاج في بعض القطاعات، مما قد ينعكس على التضخم في المدى البعيد.

-          الكثير من الدول ستكون مضطرة لمراجعة أولويات الإنفاق في ظل زيادة عجز موازناتها.

لما كانت كثير من الجوانب الطرحة في هذا التقرير والمرتبطة بالأزمة متعلقة بالوضع القانوني والاقتصادي، إلا أن الكل قاموا بتكثيف الجهود للعمل على تجاوزها بأكبر قدر ممكن من الضرر، ومن هذا المنطلق فلابد من الإشادة بجهود المملكة العربية السعودية وكل الجهات الحكومية ، خصوصًا بالعاملين في المجال الصحي، أولئك الذي يقدمون جهوداً جليلة للمحافظة على صحة المواطن والمقيم، باذلين نفوسهم في مواجهة هذه المرحلة الدقيقة، مؤكدين أن مواصلة العمل الجاد في هذا الوقت الصعب، لا تتم إلا بالتكاتف والتعاون ومواصلة الروح الإيجابية وتعزيز الوعي الفردي والجماعي، والالتزام بما يصدر من الجهات المعنية من توجيهات وتعليمات وإرشادات، في سبيل مواجهة هذه الجائحة.

عافانا الله وإياكم وحفظ الجميع من كل شر ومكروه وحفظ الله البلاد والعباد.

0.0
اخر تعديل: 05 أبريل 2020 08:51 مساءً
المقالات المرتبطة: الموافقة على قواعد عمل اللجان الزكوية والضريبية والجمركية مجلس الوزراء‬⁩: الموافقة على إنشاء هيئة باسم هيئة التأمين وزير العدل يقر اللائحة التنفيذية لطرق الاعتراض على الأحكام مجلس الوزراء يوافق على نظام المساهمات العقارية هيئة الزكاة والضريبة والجمارك‬⁩ تحتسب الضريبة على هامش ربح بيع "السيارات المستعملة المؤهلة" الموافقة على مشروع تعديل بعض مواد اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم. "مجلس الشورى" يناقش تعديلات على نظام مكافحة التدخين المملكة تحصل على عضوية لجنة القانون التجاري الدولي بالأمم المتحدة مجلس الوزراء: الموافقة على نظام الأحوال الشخصية رفع الإجراءات الاحترازية والوقائية المتعلقة بمكافحة جائحة كورونا

لاتوجد تعليقات حتى الأن...

إنشاء تعليق

البريد الإلكتروني الخاص بك لن يتم نشره.